المحامي لوسيان عون – كاتب ومحلل سياسي
وكأن الرئيس الفرنسي ماكرون الذي قدم نفسه منذ سنوات عراباً لحل الأزمة اللبنانية وقصد لبنان مراراً ومنح الأخير مهلاً لوضع حد لنزاعات طوائفه وأحزابه، لم يقرأ جيداً في مشاكله المستعصية، بل نقل مرضه العضال إلى قلب فرنسا التي اقتبس منها لبنان عام ١٩٢٦ دستوره الأول ومن ثم الثاني عند نيل استقلاله، بل اقتبس قوانينه بأسرها، فتركت الام الحنون بصمة في كل مادة من مواده القانونية وكان لنا الجمهورية الأولى هدية قلبها وقالبها يرتكز على حكم الأغلبية المطلقة ورأس واحد هو رئيس الجمهورية يحكم لست سنوات وهو يسمي رئيساً للحكومة ويشكل بالتشاور واياه الحكومة. هذا في جمهورية ما بعد الإنتداب، وهي جمهورية بقيت صامدة نوعاً ما الى حين اندلاع الحرب الاهلية لولا حوادث الاعوام ١٩٥٨ و ١٩٧٣.
لكن بعد انتهاء هذه الحرب، وفي ظل دستور الطائف الذي أقر عام ١٩٨٩، تحولت الجمهورية الى جمهوريات والدولة الى دويلات، وهي دولة الرؤوس الثلاثة، فكانت أكبر ضربة قاضية للديمقراطية،
وبالرغم من حسنات الجمهورية الخامسة الفرنسية، ومساوئها،تظل حسناتها أفضل بحيث يتاح للمعارضين فرصة محاسبتها في صناديق الإقتراع كما حصل البارحة.
اليوم يوم آخر، ومن خلال تصاريح رؤساء الأحزاب الفرنسية من اليمين الى الوسط الى اليسار، يبدو أن شمس التوترات والصراعات أشرقت على باريس، وما كان يرجّح أن يحصد اليمين الأكثرية قد تبدد، وباتت اليوم فرنسا بثلاثة رؤوس، وها هي النكايات والأحقاد تطفو على وجه الأزمة السياسية، وهي ستظهر ملياً في أداء النظام الجديد أكان داخل البرلمان أم داخل الحكومة أم داخل مؤسسات الدولة.
ما نخر الجسم اللبناني حتى العظم وأنهك اقتصاده وهجر أبناءه داء معدٍ انتقل الى فرنسا نفسها لتستعد وتغرق في آتون الصراعات السياسية والطائفية والإثنية والعرقية والحزبية، وما زاد الطين بلة ازمة المهاجرين التي تمكنت من إشعال الشارع الفرنسي مراراً ونشر الرعب والإرهاب إليه. وفي لبنان شهادات لا تعد ولا تحصى، ورب قائل غداً ليت فرنسا يحكمها ملك أو ديكتاتور لفرض النظام والإستقرار فيما سوف تورثه الانتخابات مستقبلاً وبالاً من الجحيم والمآسي.
النموذج اللبناني بات له مثيل في فرنسا، فهل تتحول الى جزر أمنية ومقاطعات وتحول الخلافات الفرنسيين الى مستنقع يغوص فيه الإفلاس والفوضى والمشاكل الإقتصادية والعجز المتنامي؟