تبدي قيادة الجيش اللبناني دائماً انزعاجها من أي ملاحظات حول طريقة تعاملها مع الملفات الداخلية، خصوصاً الحسّاسة منها، كما هو الأمر حالياً في مواجهة الحرب الاسرائيلية المفتوحة على لبنان، والتي اتخذت بعداً مختلفاً منذ نحو اسبوعين.
وتحرص قيادة الجيش، في تعليقاتها او ردود فعلها، على التأكيد أنها الجهة التي تحفظ السيادة في لبنان. لكنها على ما يبدو تنسى انها يفترض أن تكون ممثلة لكل اللبنانيين، لا أن تتصرف كالجهات السياسية المنقسمة حول نظرتها الى السيادة، ناهيك عما تقوم به من خطوات تعكس فهماً خاصاً لكيفية التعامل مع مجريات العدوان، مما بات يثير الريبة، ويعزّز الاعتقاد بأن فيها محاباة تستهدف تعزيز حظوظ قائد الجيش العماد جوزيف عون لرئاسة الجمهورية.
وعلمت “الاخبار” ان قيادة الجيش التي تتذرع بالموقف الرسمي الذي يدعوها الى “القيام بما تراه مناسباً لحماية لبنان”، وجدت أن “المناسب” هو التعاون الوثيق، لا بل الاستجابة الفورية لكل طلبات الولايات المتحدة وبريطانيا وجهات غربية أخرى.
ومن بين هذه الخطوات “المناسبة”:
أولا: إقدام الجيش على سحب جنوده من كل النقاط الحدودية قرب فلسطين المحتلة، تحت وقع القصف، بحجة أن الجيش غير قادر على حماية نفسه أمام أي هجمات اسرائيلية، وانه تلقى نصائح من جهات دولية بذلك، في وقت أن القوات الدولية التي تنسّق بعض وحداتها مع جيش العدو، رفضت مغادرة مواقعها الأمامية رغم ان اسرائيل طلبت منها امس، رسمياً، الانسحاب الى مسافة 5 كيلومترات بعيداً عن الحدود.
ثانياً: تعلم قيادة الجيش اللبناني ان العدو الاسرائيلي الذي أعلن نيته القيام بعملية برية في لبنان، يقوم بعمليات أمنية تستهدف كل المناطق اللبنانية، وقد تكون لديه برامج عمل من ضمنها تنفيذ عمليات كوماندوس وإنزالات في عدد من النقاط الجغرافية التي تفيده في المعركة مع المقاومة. رغم ذلك، فإن قيادة الجيش التي اطّلعت على هذه المعلومات، لم تجد من المناسب إعادة نشر قواتها في هذه النقاط، بل عمدت الى سحب عناصرها من بعض النقاط الخطيرة!
ثالثاً: فيما تواجه ادارة الكوارث في الحكومة ازمة تواصل جدية مع قيادة الجيش لتوفير عناصر حماية وتسهيل عمليات الدعم الانساني للنازحين، تنشغل قيادة الجيش في تلبية طلبات السفارات الغربية، خصوصا السفارة الاميركية في بيروت، بتعزيز الانتشار العسكري حول مقر السفارة وحول اماكن وأحياء يسكنها دبلوماسيون اميركيون او حتى عاملون في الاستخبارات الأميركية.
تسليم جاسوس وفحص المطار
ولا تتوقف مآثر قيادة الجيش عند هذا الحد. فبدل ان تمارس ضغطاً على الجانب الأميركي لاعادة فتح طريق بيروت – دمشق عند نقطة المصنع، بادر الجيش إلى “ضبط الوضع في مطار بيروت الدولي”، عبر تنظيم جولة تفقدية لوفد أمني وعسكري ودبلوماسي من السفارة الاميركية على جميع مراكز الشحن والهنغارات في المطار، تلبية لطلب الاميركيين الذي اصروا على القيام بعملية تفقد مباشرة قبل ان يكتبوا تقريراً الى بلادهم يفيد بأن حزب الله لا يستخدم المطار. وقد تولى قائد جهاز أمن المطار العميد فادي كفوري مع ضباط من الجهاز ظهر الاربعاء تنظيم الجولة على الهنغارات الواقعة بالقرب من مبنى مديرية الطيران في المطار.
وبعد، لم تكتف اليرزة بهذا الحدّ من “حفظ السيادة”، حتى ارتكبت فضيحة موصوف بإطلاق جاسوس اسرائيلي كان يقوم بمهام امنية في الضاحية الجنوبية تحت غطاء صحافي. وكان حزب الله اوقف بعد ظهر 2 تشرين الاول الجاري أميركياً يتجول في الضاحية الجنوبية بصفة صحافي بعد الاشتباه في تصرفاته. وقد عثر في حوزته إلى جانب جواز سفره الاميركي، على جواز سفر اسرائيلي باسم يهوشع صامويل تيرتاكوفسكي، من مواليد 25 حزيران 1982. وقد اقر في التحقيق معه بأنه خدم في جيش الاحتلال الاسرائيلي عام 2004.
وعملاً بالاتفاق الذي تحترمه المقاومة لجهة تسليم اي مشتبه به بالتعامل الى السلطات الرسمية فوراً في حال كان يحمل جنسية اجنبية، تواصلت اللجنة الامنية في حزب الله مع قيادة الجيش وسلمتها الموقوف. وسريعاً، عمدت السلطات الاسرائيلية الى الضغط على الولايات المتحدة التي حوّلت الأمر إلى اعتقال مواطن اميركي من دون سبب جرمي. وسريعاً أيضاً، خضعت قيادة الجيش للضغوط وسلّمت الاسرائيلي الى وفد امني من السفارة الاميركية، وبررت الامر بأن التحقيقات معه لم تظهر انه كان يقوم بأي عمل خارج عمله الاعلامي!
وتدرك قيادة الجيش، كما بقية الاجهزة الامنية، ان جهاز امن المقاومة يراقب عشرات العملاء الاجانب الذين وصلوا الى لبنان قبل الحرب وأثناءها، بصفات اعلامية وبحثية وانسانية. وتم لفت انتباه الاجهزة الامنية الى بعض الاعمال المشبوهة لبعض هؤلاء، مع تقديم معلومات مفصّلة حول أماكن تحركهم واقامتهم وطريقة عملهم. لكن لم يظهر ان الجيش في وارد القيام بأي خطوة تغضب الجانب الاميركي.