نشرت صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، التي يتبنى إعلامها موقفًا واضحًا ضد المقاومة اللبنانية، مقالاً تروّج فيه لمسار العماد جوزف عون، قائد الجيش اللبناني، باعتباره مرشحًا قويًا لرئاسة الجمهورية اللبنانية. تأتي هذه الخطوة في سياق الترويج لشخصية عسكرية يُنظر إليها من قبل بعض الأوساط الداخلية على أنها قد تشكل تهديدًا للمقاومة، خاصة في ظل أدائه الذي أثار الريبة بين مناصريها. المقال يعكس وجهة نظر ترى في ترشيح عون فرصة لبعض القوى الخارجية، التي تسعى لفرض أجندتها على الساحة اللبنانية، لا سيما في ظل التوترات السياسية الراهنة.
ركزت الصحيفة على النجاحات التي حققها العماد جوزف عون، خاصة في معركتين حاسمتين: الأولى هي “معركة الجرود” في عام 2017، التي قادها بنجاح ضد تنظيمات “داعش” و”جبهة النصرة”، والثانية هي حربه المستمرة ضد الفساد داخل المؤسسة العسكرية. واعتبرت “الشرق الأوسط” أن عون نجح في الحفاظ على الجيش كإحدى المؤسسات القليلة الصامدة في لبنان، رغم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالبلاد.
إلى جانب الترويج لإنجازاته العسكرية، سلط المقال الضوء على التحدي الأكبر الذي يواجهه العماد عون، والمتمثل في طرح اسمه كمرشح محتمل لرئاسة الجمهورية، وسط فراغ رئاسي مستمر منذ عامين. ويرى بعض الأطراف أن عون قد يكون الخيار الأنسب لملء هذا الفراغ وإنقاذ البلاد من أزماتها المتفاقمة، ما دفع الصحيفة السعودية إلى الترويج له كرمز للقوة والاستقرار.
العماد جوزف عون، المعروف برفضه الانخراط في الصفقات السياسية، أثار اهتمام الأطراف الداخلية والخارجية. وأشارت الصحيفة إلى تشبيه جنرال سابق في الجيش اللبناني لعون بالرئيس الراحل فؤاد شهاب، الذي كان أول قائد للجيش يصل إلى الرئاسة. وأكد الجنرال أن عون يشبه شهاب في صمته وانضباطه، مما يجعله يحظى باحترام واسع، وهو ما يبدو كإشارة من “الشرق الأوسط” إلى أن عون قد يكون الرئيس القوي الذي يحتاجه لبنان في هذه المرحلة.
منذ تعيينه قائدًا للجيش في مارس 2017، اكتسب العماد عون سمعة طيبة بسبب موقفه الثابت في الابتعاد عن اللعبة السياسية التقليدية في لبنان. وركزت الصحيفة على أن عون، المولود في منطقة سن الفيل، ويتحدر من بلدة العيشية، تلقى تدريبه العسكري في لبنان والخارج، وتدرج في المناصب العسكرية حتى قاد اللواء التاسع على الحدود مع إسرائيل، ومن ثم قيادة الجيش خلال عملية “فجر الجرود” التي نجحت في إنهاء سيطرة المتطرفين على المناطق الحدودية اللبنانية-السورية.
رغم هذه النجاحات، لم تغفل الصحيفة الإشارة إلى الجدل الذي أثاره العماد عون في الساحة السياسية اللبنانية. فخلال انتفاضة أكتوبر 2019، حافظ الجيش تحت قيادته على حياد مؤسسات الدولة، لكنه واجه انتقادات من بعض الأطراف، وخاصة مناصري المقاومة، الذين يرون في حياده مؤشراً على محاولات مستقبلية لتقليص نفوذ المقاومة لصالح قوى إقليمية ودولية.
تزامن هذا الجدل مع تصاعد الدعم الدولي لترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية، وهو ما أثار مخاوف البعض من أن تكون هذه التحركات مقدمة لتطبيق القرار 1701 الخاص بنشر الجيش على الحدود الجنوبية، وهو سيناريو قد يثير قلق حزب الله، الذي يرى في الجيش شريكًا محايدًا، لكنه يخشى من تحول هذا الحياد إلى موقف موجه ضد المقاومة في المستقبل.
تطرقت الصحيفة أيضًا إلى العلاقات الوثيقة بين العماد عون ودول غربية وعربية، خاصة بعد انفجار مرفأ بيروت في عام 2020، حيث تم توجيه معظم المساعدات الدولية إلى الجيش اللبناني عبر العماد عون. ورغم الثقة التي يحظى بها الجيش مقارنة بمؤسسات أخرى، إلا أن هذا الأمر أثار مخاوف حول ما إذا كانت بعض القوى الخارجية تسعى إلى تقوية الجيش على حساب المقاومة.
في ختام المقال، تساءلت “الشرق الأوسط” عن قدرة العماد جوزف عون على تجاوز التحديات السياسية المعقدة والوصول إلى رئاسة الجمهورية، وما إذا كان سيستطيع تحقيق توازن بين مختلف الأطراف في لبنان. وتطرحت الصحيفة تساؤلات حول ما إذا كان ترشيح عون قد يؤدي إلى مزيد من التوترات في المشهد اللبناني المعقد.
في سياق مشابه، ربطت الصحيفة السعودية مسار العماد عون بتقاليد المؤسسة العسكرية في لبنان، التي كانت دائمًا محطة رئيسية لصعود القادة إلى رئاسة الجمهورية. أشارت الصحيفة إلى فؤاد شهاب، الذي كان أول قائد للجيش يتولى الرئاسة بعد أزمة سياسية حادة في البلاد، وتبعه إميل لحود الذي تولى الرئاسة في عهد الهيمنة السورية. ثم ميشال سليمان، الذي تم انتخابه بعد اتفاق الدوحة في عام 2008، وميشال عون الذي انتهت ولايته في ظل انهيار اقتصادي غير مسبوق.
في حال وصول العماد جوزف عون إلى رئاسة الجمهورية، سيصبح أحدث حلقة في سلسلة القادة العسكريين الذين تولوا هذا المنصب، في وقت حساس يتطلب قرارات حاسمة قد تعيد رسم خريطة لبنان السياسية.